نشر الإسلام في الهند

كانت هناك عدة عوامل ساعدت كلها على الاتصال المباشر بين عمان والهند منها:
أولا: الجوار فبحكم وجود عمان قبالة الهند بحيث لا يفصل بينهما سوى المحيط الهندي، تعتبر عمان بالنسبة للهند بوابة إلى الخليج، والجزيرة العربية بأجمعها، وقد وطد هذا الجوار العلاقات بين القطرين منذ زمن بعيد.


ثانيا: الحركة التجارية ، كانت الحركة التجارية نشيطة دائبة بين عمان والهند، وكانت السفن تمخر عباب المحيط الهندي جيئة وذهاباً ما بين القطرين ، فقد كانت الهند في حاجة ماسة إلى توطيد علاقتها ببلاد العرب عامة، وبعمان خاصة، إذ أن الهند كانت في حاجة شديدة إلى (اللبان) الذي يستخدم في صناعة البخور، والذي تشتهر به منطقة ظفار عالمياً كما أن حاجتها إلى العاج الإفريقي ظلت شديدة أيضاً، وكان يصل إليها عن طريق عمان ينقله العمانيون من شرق إفريقيا، وكانت الهند في حاجة أيضاً غلى الخيول العربية التي كانت تأتيها من عمان بعامة، ومن منطقة ظفار بخاصة.

وكانت الهند من جهتها تبيع لعمان الأقمشة، والأقطان، والتوابل، والعطور ، وخشب النارجيل اللازم لصناعة الهند، وغير ذلك من المواد الزراعية والصناعية.

ثالثا: المنافسة البحرية:

كان لا بد أن تكون هناك منافسة شديدة في السيطرة على الطريق البحري التجاري بين الهند وعمان ، ويبدو أن المراكب العمانية كانت تتعرض من حين إلى آخر لهجمات القراصنة الهنود (د/نايف السهيل، ص169 - نقلا عن مايلز، س،ب الخليج ، مسقط ، ص82).

مما دفع بالأئمة العمانيين لحماية نشاطهم التجاري بإحداث أسطول حربي قوي يقف في وجه هجمات أولئك القراصنة ، وقد أنشأ الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي (192هـ) أسطولا بحرياً مسلحاً لحماية الشواطئ العمانية، ولتأمين الطريق البحري من القراصنة ، وقد قوي هذا الأسطول في عهد الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي ما بين (226-237) إذ استطاع أن يكون أسطولاً ضخماً على درجة رفيعة من العدة والعتاد ، قيل أنه تتكون من ثلاثمائة بارجة حربية مسلحة (المرجع السابق).

هذه العوامل جميعها عززت العلاقات بين البلدين ودفعت العمانيين إلى الهجرة والاستقرار بالساحل الغربي لبلاد الهند، فعمروا بعض البلاد وبنوا بها منازل لهم مثل ميناء تامه ، وقندرينا ، وكبايه ، وجرفتين ، وكلها موجود بالساحل الغربي المعروف عند القدامى بساحل ملبار (المصدر السابق).

ومن هنا كان استقرار كثير من التجار العمانيين في هذه الأرض مدعاة إلى الدعاية إلى الإسلام بين أهلها ، إضافة إلى أولئك الدعاة الذين كانوا يتوافدون من حين إلى آخر لغرض التجارة ، أو لغرض الدعوة نفسها ، وكان بعضهم يستقر فيها نهائياً حيث يتزوجون من أهالي الهند ، ويتخذون لغتهم وكثيراً من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتنافى مع الإسلام ، وبذلك كانوا مؤهلين تماماً كدعاة إباضية لنشر الإسلام في هذه البلاد وخصوصاً بين الهنديات اللاتي تزوجن من هؤلاء الوافدين ، وأيضاً بين الهنود الذين ارتبطوا معهم بعلاقات تجارية. (المصدر السابق)

ومما لا شك فيه أن الذي ساعد على الحركة الإسلامية الواسعة في هذه البلاد داخلا وساحلا هو ما رآه أهل تلك البلاد من أخلاق المسلمين العالية، ومعاملتهم الحسنة ، عندما بلوهم بالمصاهرة، والمتاجرة والمعاشرة ، مقارنين بين حالتهم الاجتماعية السيئة التي كانوا عليه في ظل حكم نظام طبقي يسيطر فيه رجال الدين على الناس بالاستغلال والاحتقار والقهر .. فرحبوا بالدين الإسلامي الذي لا يعترف بالطبقية في كل شيء.

والإباضية هم أصفى المسلمين تمثيلا لهذا الفكر الذي لا يؤمن إلا بالتقوى ميزانا ، ومقياسا .. ومن ثم انتشر الإسلام في كل مكان وصلة تاجر ، أو داعية ، أو فقيه مسلم ، وخاصة في سواحل الهند وهضبة الدّكن وغيرهما من أنحاء الهند ، وأقاليمها العديدة مثل البنغال ، وغيرها ... (يراجع أرنولد ويلسون: تاريخ الخليج ، تر: محمد أمين عبدالله مسقط ، ط ، 1985، ص 314-323-403.

وقد حظي الذين دخلوا في الإسلام من أهالي هذه البلاد بالاحترام والتقدير اللذين حظي التجار الغرباء بهما أيضا، الأمر الذي دفع بالحركة الإسلامية دفعات كبيرة بين الهنود ملوكا ورعية.

ويحرص المسلمون من الهنود على تأكيد الروابط التي تجمعهم بالتجار العمانيين الذين كانوا سبب إسلامهم ، فيقولون أنهم ينحدرون من أنجال هؤلاء التجار المسلمين الذين أقاموا في بلادهم منذ أزمنة بعيدة ، وهم يمدحون ذلك حتى في الوقت الحاضر.

.... وهكذا نرى نتيجة لجهود إباضية عمان وغير العمانيين انتشر الإسلام في الهند ، والتزام الهنود بتعاليم الإسلام وتقاليده ، وحافظوا على دينهم وغم ما يتعرضون له من هجوم شبه مستمر من ملوك الهند ومهراجاتهم. (د/نايف السهيل ، مرجع سابق (بتصرف) ص 172.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لموقع عمان عبر التاريخ © 2015

يتم التشغيل بواسطة Blogger.